سورة الحج - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


الخطاب بقوله {يا أيها الناس} قيل هو خطاب يعم العالم، وقيل هو خطاب للمؤمنين حينئذ الذين أراد الله تعالى أن يبين عندهم خطأ الكافرين ولا شك أن المخاطب هم ولكنه خطاب يعم جميع الناس.
متى نظره أحد في عبادة الأوثان توجه له الخطاب واختلف المتأولون في فاعل، {ضرب}، من هو فقالت فرقة: المعنى {ضرب} أهل الكفر مثلاً لله أصنامهم وأوثانهم فاستمعوا أنتم أيها الناس لأمر هذه الآلهة، وقالت فرقة: {ضرب} الله مثلاً لهذه الأصنام وهو كذا وكذا، فالمثال والمثل في القول الأول هي الأصنام والذي جعل له المثال الله تعالى، والمثال في التأويل الثاني هو في الذباب وأمره والذي جعل له هي الأصنام، ومعنى {ضرب} أثبت وألزم وهذا كقوله {ضربت عليهم الذلة} [آل عمران: 112]، وكقولك ضربت الجزية، وضرب البعث، ويحتمل أن يكون ضرب المثل من الضريب الذي هو المثل ومن قولك هذا ضرب هذا فكأنه قال مثل مثل، وقرأت فرقة {يدعون} بالياء من تحت والضمير للكفار، وقرأت فرقة {يُدعون} بالياء على ما لم يسم فاعله والضمير للأصنام، وبدأ تعالى ينفي الخلق والاختراع عنهم من حيث هي صفة ثابتة له مختصة به، فكأنه قال ليس لهم صفتي ثم ثنى بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز، وذكر تعالى أمر سلب الذباب لأنه كان كثيراً محسوساً عند العرب، وذلك أنهم كانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك وكانوا متألمين من هذه الجهة فجعلت مثلاً، والذباب جمعه أذبة في القليل وذبان في الكثير كغراب وأغربة وغربان ولا يقال ذبابات إلا في الديون لا في الحيوان، واختلف المتأولون في قوله تعالى، {ضعف الطالب والمطلوب}، فقالت فرقة أراد ب {الطالب} الأصنام وب {المطلوب} الذباب، أي أنهم ينبغي أن يكونوا طالبين لما يسلب من طيبهم على معهود الأنفة من الحيوان، وقالت فرقة معناه ضعف الكفار في طلبهم الصواب والفضيلة من جهة الأصنام، وضعف الأصنام في إعطاء ذلك وإنالته ع ويحتمل أن يريد {ضعف الطالب} وهو الذباب في استلابه ما على الأصنام وضعف الأصنام في أن لا منفعة لهم وعلى كل قول، فدل ضعف الذباب الذي هو محسوس مجمع عليه وضعف الأصنام عن هذا المجمع على ضعفه على أن الأصنام في أحط رتبة واخس منزلة، وقوله {ما قدروا الله حق قدره}، خطاب للناس المذكورين، والضمير في {قدروا} للكفار والمعنى ماوفوه حقه من التعظيم والتوحيد ثم أخبر بقوة الله وعزته وهما صفتان مناقضتان لعجز الأصنام.


روي أن هذه الآية إلى قوله {الأمور} نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة أأنزل عليه الذكر من بيننا الآية فأخبر {الله} تعالى أنه {يصطفي} أي يختار {من الملائكة رسلاً} إلى الأنبياء وغيرهم حسبما ورد في الأحاديث {ومن الناس} وهم الأنبياء المبعثون لإصلاح الخلق الذين اجتمعت لهم النبوءة والرسالة. وقوله {ما بين أيديهم وما خلفهم} عبارة عن إحاطة بهم وحقيقتها ما قبلهم من الحوادث وما بعدهم، و{الأمور}، جمع أمر ليس يراد به المصدر ثم أمر الله تعالى المؤمنين بعبادته وخص الركوع والسجود بالذكر تشريفاً للصلاة، واختلف الناس هل في هذه الآية سجدة؟ ومذهب مالك أنه لا يسجد هنا، وقوله {وافعلوا الخير}، ندب، فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها من غير هذا الموضع، وقوله {لعلكم} ترجٍّ في حق المؤمنين كقوله {لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 44] والفلاح في هذه الآية نيل البغية وبلوغ الأمل.


قالت فرقة: هذه آية أمر الله تعالى فيها الجهاد في سبيله وهو قتال الكفار، وقالت فرقة: بل هي أعم من هذا وهو جهاد النفس وجهاد الكافرين وجهاد الظلمة وغير ذلك، أمر الله تعالى عباده بأن يفعلوا ذلك في ذات الله حق فعله ع والعموم حسن وبين أن عرف اللفظة تقتضي القتال في سبيل الله، وقال هبة الله وغيره: إن قوله {حق جهاده} وقوله في الأخرى، {حق تقاته} [آل عمران: 102] منسوخ بالتخفيف إلى الاستطاعة ع ومعنى الاستطاعة في هذه الأوامر هو المراد من أول الأمر فلم يستقر تكليف بلوغ الغاية شرعاً ثابتاً فيقال إنه نسخ بالتخفيف، وإطلاقهم النسخ في هذا غير محدق، و{اجتباكم} معناه تخيركم، وقوله {وما جعل عليكم في الدين من حرج} معناه من تضييق يريد في شرعة الملة، وذلك أنها حنيفية سمحة ليست كشدائد بني إسرائيل وغيرهم بل فيها التوبة والكفارات والرخص ونحو هذا مما كثر عده، والحرجة الشجر الملتف المتضايق، ورفع الحرج لجمهور هذه الأمة ولمن استقام على منهاج الشرع، وأما السلابة والسرّاق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين، وليس في الشرع أعظم حرجاً من إلزام ثبوت رجل لاثنين في سبيل الله ومع صحة اليقين وجودة العزم ليس بحرج، وقوله {ملة}، نصب بفعل مضمر تقديره بل جعلها أو نحوه من أفعال الإغراء، وقال الفراء هو نصب على تقدير حذف الكاف كأنه قال كلمة وقيل هو كما ينصب المصدر، وقوله {هو سماكم}، قال ابن زيد الضمير ل {إبراهيم} والإشارة إلى قوله {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 128]، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد الضمير لله تعالى، و{من قبل}، معناه في الكتب القديمة {وفي هذا}، في القرآن، وهذه اللفظة تضعف قول من قال: الضمير ل {إبراهيم} ولا يتوجه إلا على تقدير محذوف من الكلام مستأنف، وقوله {ليكون الرسول شهيداً عليكم} أي بالتبليغ، وقوله {وتكونوا شهداء على الناس} أي بتبليغ رسلهم إليهم على ما أخبركم نبيكم، وأسند الطبري إلى قتادة أنه قال: أعطيت هذه الأمة ما لم يعطه إلا نبي، كان يقول للنبي أنت شهيد على أمتك وقيل لهذه {وتكونوا شهداء على الناس}، وكان يقال للنبي ليس عليك حرج وقيل لهذه {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وكان يقول للنبي سل تعط وقيل لهذه {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60] أمر تعالى ب {الصلاة} المفروضة أن تقام ويدام عليها بجميع حدودها، وب {الزكاة} أن تؤدي كما أنعم عليكم، فافعلوا كذا ثم أمر ب الاعتصام بالله أي بالتعلق به والخلوص له وطلب النجاة منه، ورفض التوكل على سواء، و{المولى} في هذه الآية الذي يليكم نصره وحفظه وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7